مصير سورية بين الصراع الدولي وغياب العامل الوطني

2

عبد الباسط سيدا – جيرون

الأوضاع المأسوية التي يعيشها السوريون اليوم، هي في نهاية المطاف حصيلة غياب الرؤية والإرادة الوطنيتين لدى النظام، هذا النظام الذي كان الهدف بالنسبة إليه، وما زال، متجسدًا في السلطة التي تمحورت حولها ومن أجلها كل ممارساته الداخلية، وتحالفاته الإقليمية والدولية.

 

سورية بحكم العوامل الجغرافية والسكانية والاقتصادية كانت، وما زالت، دولة مفتاحية في الشرق الأوسط. استقرارها ضروري لاستقرار المنطقة، واضطرابها يهدد بصورة مباشرة، وغير مباشرة، استقرار المنطقة وأمنها.

 

ولعل هذا ما يُفسّر، ضمن هذا السياق، ما تحظى به سورية، بحكم موقعها وتفاعلاتها العضوية مع دول المنطقة ومجتمعاتها، من أهمية خاصة في دائرة الحسابات والمنافسات الدولية، لا سيما بين الروس والأميركيين، إلى جانب الأوروبيين الذين يتأثرون بالوضع السوري وأوضاع المنطقة بصورة مباشرة على مختلف المستويات، خاصة ما يمسّ ملف الهجرة واللاجئين، والتوجس من المزيد من العمليات الإرهابية، وانعكاسات كل ذلك على الوضع السياسي الداخلي في أجواء تنامي الإسلاموفوبيا والنزعات الشعبوية. والجدير بالذكر في هذا المجال هو أن الأوروبيين، لا سيّما الفرنسيين والإنكليز، ما زالوا يعتبرون المنطقة ضمن دائرة اهتماماتهم الحيوية، على الرغم من التنافس الشديد بين الروس والأميركان عليها.

 

اتسمت القضية السورية، منذ اليوم الأول لانطلاقة الثورة السورية، بتداخل الدوائر الثلاث: المحلية والإقليمية والدولية. وهذا ما يفسر واقع تعقّدها، وتشابك العوامل المؤثرة فيها من جهة، وحجم الاهتمام الإقليمي والدولي، وطبيعة الاصطفافات التي تتشكّل من حين إلى آخر بفعلها، نتيجة تبدّل الأولويات، من جهة ثانية.

 

وفي يومنا الراهن، لا يخفى على أي مراقب متابع أن سورية قد أصبحت جملة مناطق نفوذ موزّعة بين الدول الداخلة في اللعبة. لذك نلاحظ أن التحركات باتت تقتصر في معظمها على تحسين المواقع وتثبيت الحدود، واتخاذ السوريين -نظامًا ومعارضة- مجرد واجهة لتمرير الصفقات التي يجري البحث حولها، وتُبذل الجهود بقصد ممارسة الضغط هنا وهناك، حتى يتمكّن كل طرف من بلوغ ما يتطلع إليه.

 

وفي خضم كل ما يجري، يبقى السؤال المحوري حول مستقبل الوجود الإيراني وتأثيره في سورية؛ حيث إن هذا الوجود اليوم متغلغل في ثنايا الدولة السورية، ويعمل من أجل الامتداد إلى مفاصل المجتمع، عبر عمليات التغيير الديموغرافي التي جرت، وتجري، في مناطق سورية عدة.

 

وعلى الرغم من وجود تكهّنات عدة، حول إمكانية بروز تعارض روسي – إيراني حول سورية، فإن المؤشرات المتوفرة حتى الآن لا تسمح بالوصول إلى استخلاص أكيد حول هذا الموضوع. وهذا يعني أن كل الاحتمالات ما زالت قائمة. فروسيا اتخذت من علاقتها مع إيران وسيلةً للعودة بقوة إلى الساحة السورية، ولكن هذه العلاقة ليست الهدف طالما أن هناك بدائل أخرى أقل تكلفة، وأضمن حصيلة. ولعل هذا ما يفسر العلاقة الخاصة بين روسيا و”إسرائيل” من جهة، وروسيا وتركيا من جهة ثانية. والسعي المستمر من أجل بلوغ تفاهمات مع الفرنسيين والألمان. كل ذلك استعدادًا للصفقة الكبرى التي ستكون مع الأميركان. هذا إذا سارت الأمور وفق ما تشتهيه السفن الروسية.

 

لكن في المقابل، تعمل الولايات المتحدة من أجل إعادة ضبط صفوف حلفائها في المنطقة وفي أوروبا. وفي هذا السياق تسعى لتجاوز حالة البرود مع تركيا، مع تأكيد استمرارية وجودها العسكري في كل من سورية والعراق. ومن الطبيعي في هذا المجال أن تعمل على استعادة فاعلية مجلس التعاون الخليجي، باعتباره الجسم الأكثر قدرة من حيث الإمكانات المادية، والأقرب إليها ضمن النظام العربي الرسمي. أما “إسرائيل”، فقد كانت، وستظل، الحليف العضوي المفضل.

 

ما يستنتج من جملة التحركّات الميدانية والدبلوماسية، هو أن منطقة الشرق الأوسط ما زالت في دائرة الاهتمامات الأساسية ضمن استرتيجيات الولايات المتحدة، وذلك باعتبارها ضرورية لدعم خططها وتطلعاتها في المناطق الأخرى من العالم.

 

بالعودة إلى الملف السوري في خضم كل هذه التفاعلات والتحركات؛ نرى أنه لن يشهد تطورًا نوعيًا لافتًا، قبل حصول تفاهم متكامل بين الروس والأميركيين، هذا إذا حصل. وما نشاهده من تصعيد هنا وهناك لا يوحي بقرب الوصول إلى تفاهم كهذا. ويشار في هذا المجال إلى حزمة العقوبات الجديدة ضد طهران، والمناورات الواسعة التي أجرتها قوات من الناتو في النرويج، والتلويح بإمكانية إلغاء معاهدة حظر إنتاج الأسلحة النووية المتوسطة المدى؛ وما يعنيه ذلك من استنزاف اقتصادي لروسيا. وربما ما زال بعضنا يتذكر كيف أدت تكاليف “حرب النجوم” في عهد ريغان، ومن ثم الحرب الأفغانية، إلى انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينيات القرن المنصرم.

 

هل معنى هذا أن الأزمة السورية قد باتت وجهًا من أوجه الصراع الأميركي – الروسي، على منطقة الشرق الأوسط؟ وأي مصير ينتظر سورية، في حال تمكن هذا الطرف أو ذاك من فرض اجنداته، أو تم التوافق على الحد الأدنى الممكن الذي يأخذ بعين الاعتبار مصالح الطرفين؟ وما علاقة الوضع السوري بجملة الترتيبات التي تنتظرها المنطقة، سواء في العراق أم لبنان وغيرهما من دول المنطقة؟

 

أسئلة مفتوحة تتوقف الإجابات عنها على طبيعة التحولات، وماهية الأولويات. ولكن في جميع الأحوال تبقى المسؤولية الأكبر على عاتق السوريين. فإذا كان الآخرون يتنافسون ويتصارعون من أجل مزيد من المصالح ومناطق النفوذ في سورية؛ فإن الأمر بالنسبة إلى السوريين هو موضوع مصير ووجود شعب وبلد، ومستقبل الأجيال المقبلة.

 

Leave A Reply

Your email address will not be published.