واشنطن وموسكو: اختلاف لا خلاف

2

علي العبد الله

 

انتهى اجتماع قمة العشرين، وتبخرت وعود اللقاءات الثنائية التي روّج لها كمنصة لاطلاق الدخان الابيض حول الاتفاق على مخرج للاستعصاء في سورية، فلا اللقاء الطويل الذي جمع الرئيسين الاميركي والروسي(90 دقيقة) أسفر عن اتفاق، كان قيل انه شبه جاهز، وانه يحتاج الى وضع بصمة الرئيسين عليه، ولا اللقاء الاستدراكي لوزيري خارجية البلدين، حقق ذلك.

 

لم وأين المشكلة؟.

 

بعد لقاءات ثنائية عديدة (الأميركي الألماني، الأميركي الفرنسي، الأميركي البريطاني، الأميركي التركي. الروسي التركي، الروسي الفرنسي، الروسي الألماني، الروسي السعودي … الخ) وحديث عن اجواء ايجابية، ودعوات ومواقف واعدة، جاء اللقاء الأميركي الروسي ليعيد الحديث الى المربع الأول: لا اتفاق. ووعد بلقاءات جديدة لمتابعة المفاوضات لانجاز الاتفاق العتيد.

 

حاول الطرفان احتواء المفاجأة وتخفيف ردود الأفعال على فشل لقاء الرئيسين في الاعلان عن الاتفاق على خريطة الطريق، التي تم بحثها ودراستها في جنيف طوال اسابيع من قبل فريقي عمل البلدين اللذين ضما خبراء عسكريين واداريين وحقوقيين وتقنيين، فقدما أجوبة ذات طابع اجرائي او تقني من نوع “عدم الاتفاق على تحديد لائحة المنظمات الارهابية” و”عدم الاتفاق على آليات ضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة وخاصةً في حلب”، وحاول كل طرف تحميل الطرف الآخر مسؤولية الفشل، حيث اعلنت الخارجية الأميركية “عن تراجع روسيا عن بعض القضايا التي اعتقدنا أننا اتفقنا عليها”، ورد الخارجية الروسية انه  “لا يوجد ما يستدعي إطلاق تصريحات درامية”، و “أن النقاشات ستتواصل”.

 

اسباب ليست سوى قمة جبل الجليد، كما يقال، وان الاسباب الحقيقية لعدم الاتفاق، أو الجزء المغمور من جبل الجليد، هي خلافات جوهرية حول المنطلقات والأهداف الاستراتيجية للبلدين وعدم الاتفاق على زوايا النظر الى الملفات والقضايا العالقة بينهما، وهذه (الملفات والقضايا العالقة) تشمل مسائل كثيرة وخطيرة تحتاج الى الاتفاق على محددات للتعاطي حولها، وهذه بدورها تستدعي الاقرار بالاحجام والادوار والمصالح المترتبة على ذلك.

 

فالادارة الأميركية ترى في روسيا دولة عدوة، وفق ما ورد في وثيقة الامن القومي التي اصدرتها عام 2015، وانها تعمل على تقويض النفوذ الأميركي في العالم، وتنسق مع دول أخرى(مجموعة البريكس) لتحقيق ذلك، وسلوكها في ملفات اقليمية ودولية يشي بانها مخادعة، كما تجلى ذلك في اوكرانيا، وتبيت لاعمال عدائية على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في اكثر من منطقة في العالم، وخاصة دول البلطيق واوروبا الشرقية، وبالتالي فليس من الحصافة في شيء اعطاؤها ما تريد: الاقرار بها كدولة ند للولايات المتحدة واشراكها في ادارة الملفات الدولية والاقليمية وحلها في نظام ثنائي القطبية.

 

روسيا من جهتها ترى في التحركات الأميركية، من نشر الدرع الصاروخية في جوار روسيا الجغرافي (تركيا ورومانيا وبولندا وتشيكية)، وفي كوريا الجنوبية أخيرا، الى تمدد حلف الناتو نحو حدودها الغربية بضم دول كانت في المدار الروسي ايام الاتحاد السوفياتي وتقع في الحديقة الامامية لها، ونشر قوات للأطلسي في دول البلطيق وفي البحر الاسود واجراء مناورات وتدريبات مع دول شرق اوروبا، واعلان الاطلسي عن استعداده للدفاع عنها في وجه أي عدوان روسي، وعزلها دوليا، وتشكيل التحالف الدولي لمحاربة الارهاب دون اشراكها، وخرق اتفاقات الحد من التسلح عبر قيام واشنطن بتحديث سلاحها النووي التكتيكي عبر تمديد عمره ورفع درجة دقته وفعاليته(نحو 200 قذيفة من طراز “بي ـ 61” منشورة في بلجيكا وهولندا وألمانيا وتركيا، وتكييفه بحيث يصبح بالإمكان إطلاقه من قاذفات “إف ـ 35”)، كان اتفق على التخلص منها، الى تشجيع الثورات الملونة واللعب داخل روسيا ذاتها بفرض عقوبات اقتصادية عليها والتلاعب باسعار النفط وبسعر صرف الروبل وتشجيع منظمات حقوق الانسان على التصدي لسلطة الكرملين، ترى فيها تهديدا مباشرا لها ولامنها القومي واستقرارها السياسي.

 

وعليه يمكن قراءة التصعيد العسكري الروسي وتركيزه على نقاط محددة ذات اهمية استراتيجية(مدينة حلب) وحشد قوات بحرية وبرية كبيرة شرق المتوسط لتحقيق مكاسب وتسجيل نقاط كوسائل ضغط من اجل دفع الطرف الآخر للقبول بالتفاوض من أجل اتفاق استراتيجي شامل حول هذه الملفات والقضايا في ضوء رفض أميركي لمفاوضات من هذا النوع، لانها( الولايات المتحدة) لاتنوي اعطاء روسيا مكاسب استراتيجية، وانها مازالت تراها قوة اقليمية، كما قال الرئيس الأميركي في مقابلته المطولة مع مجلة ذا اتلانتك، وتعمل على احتوائها ضمن توازناتها الشاملة في استراتيجيتها الكونية.

 

تصريحان للرئيسين الأميركي والروسي كشفا حقيقة الموقف، فقد أشار الرئيس الأميركي الى “خلافات كبيرة”، وتحدث عما أسماه “أزمة ثقة” بين البلدين منعت الاتفاق، وقال الرئيس الروسي:”واشنطن وموسكو ستكثفان مواجهة “الارهاب”، لكن ينبغي تحسين العلاقات بين البلدين أولا”. ما يعني اننا أمام اختلاف عميق، وان الاتفاق مستبعد مالم تتغير أسس النظرة بحيث تسمح بالولوج الى بحث الملفات والقضايا العالقة على قواعد متفق عليها، وان الحل في سوريا مازال بعيدا، وان أي اتفاق سيتم لن يتجاوز حدود وقف اطلاق نار في حلب كمدخل لوقف اطلاق نار شامل، و “أنه لن يتم الانتقال إلى الشق السياسي قبل الانتهاء من الشق العسكري”، كما قال الرئيس الأميركي، وان الحل السياسي مؤجل الى ما بعد الانتخابات الأميركية وتسلّم الادارة الجديدة وترتيب بيتها الداخلي.

Leave A Reply

Your email address will not be published.