الكرد و سلعة الوطنية
كاظم خليفة
من الممكن تعريف الوطنية من خلال مفهوم بسيط يقتصر على حب الوطن والدفاع عنه ولكن قبل أن تكون وطنيا لابد أن تكون مواطنا تربطك الحقوق والواجبات مع نظام الدولة ومؤسساتها فالوطن ليس مجرد مكان ولدنا فيه وارتبطنا به عاطفيا. لقد أضحت الوطنية من أكثر الشعارات المستهلكة في ظل الأنظمة الاستبدادية لتستخدم كألية فعالة في ضرب كل من يختلف معها واتهامها بالخيانة للوطن لان الوطن وسيادته مختزل في النظام الحاكم والأيديولوجية الحاكمة فيكون الذي في فلكه وطنيا والآخر خائنا للوطن لابد من محاربته وتجرده من كافة الحقوق حيث توّظف شعارات الوطنية لكمّ افواه الوطنيين الحقيقيين وتفشي ظاهرة النفاق السياسي والفساد الذي ينخر في جسد الوطن. ويمكن أن يكون الحديث عن الشعب الكردي وما يطلب منه (وطنيا) سبيلا لتوضيح مفهوم الوطنية عند الأنظمة الاستبدادية الشمولية وما افرزتها من ثقافة في خدمة أجنداتها معتمدة على الوسائل الأمنية والإرهاب في فرضها .ان مفهوم الوطنية الذي عُرف منذ أكثر من ألفي عام عند اليونان والرومان كمنظومة من العلاقات بين الفرد والدولة من خلال منح كافة الحقوق للفرد والسياسية منها على وجه الخصوص مقابل الواجبات التي يقوم بها الفرد في خدمة وحماية الدولة .ولابد من التذكير ايضا بالقرن التاسع عشر(عصر القوميات ) وما بعده إذ خُلقت دول قومية وانظمة حكم عملت على امتزاج المفهوم الوطني بالمفهوم القومي فتكون القومية الحاكمة هي الوطنية وأماالمحكومة فتسعى في البحث عن حق المواطنة التي تمنحها الحاكمة كحال الشعب الكردي الذي لم يقصّر في أداء واجباته الوطنية في كل الدول التي تقاسمت فيما بينها ارضه وأصبح جزءا منها و قد قدم تضحيات كبيرة في الدفاع عن تلك البلدان سواء في مواجهة(الاستعمار) او التفاني من اجل ازدهار هذه البلدان على كافة المستويات الثقافية و السياسية والاجتماعية… الا ان تلك الأنظمة جابهتم بعدائية تمثلت اما بالعمل لاجل انصهارهم في بوتقتهم القومية او اعتبارهم أعداءا للوطن يجب محاربتهم بكل الوسائل سواء في لقمة عيشهم او بتجريدهم من الهوية الوطنية و حرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية بل تعرّض الشعب الكردي لاضطهاد وظلم على ايدي تلك الأنظمة وصلت إلى عدم الاعتراف بوجودهم كبشر و حتى الإبادة الجماعية بحقهم مستخدمين كافة الوسائل اللاإنسانية بحقهم بغية إنكار حقوقهم . لذلك لا أعتقد أن الوطنية المطلوبة تتعدى حدود الولاء المطلق للنظام الفاسد والقبول بحياة الذل والعبوديةدون أي مقابل ومن هنا تكون الدعوات الشعاراتية إلى الوطنية في ظل الأنظمة الاستبدادية الشمولية مفروغة من معناها بل وتخدم أدوات النظام في فرض اجنداته . و اعتقد ان من الصعوبة ان نجد فردا لا يحب مكان ولادته وأهله وبلده فكل كائن وطني بالفطرة من الناحية العاطفية ولكن ما جدوى وطن لايوفر له حقوقه الإنسانية قبل السياسية والاجتماعية والثقافية .والجدير بالذكر ان هذه الأنظمة لا تقوم بمثل هذه الأعمال اللانسانية بحق الشعب الكردي بدافع قومي او وطني بل لفرض هيمنتهم وترسيخ حكمهم الاستبدادي لذلك تسعى هذه الانظمة إلى افتعال النعرات القومية والطائفية وتتصنع اعداءا في الخارج والداخل لتوهم شعوبها بأن الخطر يحيط بهم ولا منقذ لهم سواه . لقد تغيرت الكثير من المفاهيم إثر تطور الحياة بكل جوانبها ولم يعد استغلال العواطف الوطنية تجدي نفعا فمن خرج من البلدان التي يحكمها المستبدون يعيش حياة حرة كريمة ولم تعد شعارات الوطنية والحنين إلى أرض الوطن معيارا لمدى وطنية هذا الشخص او تلك الجماعة بل بمدى ما يقدمه نظام الدولة ومؤسساتها للمواطن حتى يكون جزءا حقيقيامن وطنه يقدم التضحيات من أجله بكل سخاء .